الشركات الصينية تتسابق إلى صناعة الرقائق الإلكترونية.. كيف يبدو هذا القطّاع الحالم في الصين؟

الشركات الصينية تتسابق إلى صناعة الرقائق الإلكترونية.. كيف يبدو هذا القطّاع الحالم في الصين؟

بعد سنوات من المساعي التي تقودها الصين لتحقيق ما يشبه حالة من الاستقلال فيما يتعلّق بصناعة أشباه الموصلات بدأت العديد من الشركات الصينية عام 2021 ببرنامج جانبي خاص بصناعة الرقائق في محاولة منها للاستقلال عن الهيمنة الأمريكية على هذا القطّاع، ومن أبرز الشركات التي تحاول القيام بذلك هي Baidu و Alibaba وشركات الهواتف الذكية Huawei و Xiaomi و Oppo والعلامات التجارية الخاصّة بالأجهزة المنزلية Gree و Midea و TCL و Haier، ولحسن الحظ لم تبدأ جميع الشركات من نقطة الصفر حيث تمتلك بعض الشركات بالفعل خبرة في صناعة الرقائق في حين أن البعض الآخر يعتبر جديدًا في هذا المضمار الشاق، لتنضم هذه الشركات إلى ساحة مزدحمة بالفعل ففي عام 2020 وحده تم تسجيل أكثر من 22000 شركة جديدة خاصّة بصناعة أشباه الموصلات في الصين وفقًا للبيانات التي انتشرت مؤخّرًا على شبكة الإنترنت.

لدينا أسباب عديدة وراء هذا الجنون على مستوى البلاد، ففي المقام الأول يعتبر إصرار الحكومة الصينية على تخفيض الاعتماد على الرقائق المستوردة الدافع الأكبر لسعي جميع الشركات نحو هذا القطاع، تطمح الصين إلى أن تصبح القوة العظمى في سوق التكنولوجيا وتعتبر أشباه الموصلات عاملاً رئيسيًا يعوق البلاد عن هذا الهدف، ففي عام 2020 فقط استوردت الصين رقائق بقيمة 350 مليار دولار وهو ما يمثل سدس إجمالي الواردات، في حين يمكن للصين أن تنتج أي شيء على نطاق واسع، لكن الرقائق الدقيقة وخاصة الرقائق عالية الجودة لا تزال بعيدة المنال، ولتغيير ذلك أنشأت الصين صندوقًا استثماريًا بقيمة 22 مليار دولار في عام 2014 وأضافت إليه 29 مليار دولار في عام 2019 ولكن حتى اليوم معظم الطموحات لم تتحقّق بعد.

حتى الآن تتركّز معظم الجهود على عملية التصميم حيث يسهل التغلّب على الحواجز التقنية ولكن لا يزال التصنيع الفعلي يتم بالاستعانة بمصادر خارجية وحتى لو تمكنت الشركات الصينية الكبيرة من تحقيق إنجازات مميّزة في تصميم الرقائق فإنها لا تزال بعيدة عن تحقيق الهدف الوطني المتمثّل في الاستقلال التام.

من منظور الأعمال التجارية لا تزال التحرّكات منطقية بالنسبة لبعض الشركات حيث تساهم هذه الخطوات في إزالة المخاطر بعيدًا عن سلاسل التوريد الخاصة بهم، ولدينا في هواوي وقصّتها مع الحكومة الأمريكية خير مثال على ذلك، حتى بالنسبة للعلامات التجارية في المجالات الأقل حساسية فإن النقص العالمي في الرقائق الذي بدأ هذا العام هو تذكير آخر بالنسبة للشركات بأنّ عليهم إيجاد حلول بديلة، وعلى نطاق آخر بالنسبة لشركات التكنولوجيا مثل Baidu و Alibaba فإنّ كلاهما يعملان في قطّاعات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، ويمكن للشريحة المصممة داخليًا أنّ توفّر نتائج أفضل من الشريحة المستوردة.

قوة إنترنت الأشياء

يستورد صنّاع الأجهزة المنزلية بشكل معتاد عددًا كبيرًا من الرقائق لتشغيل أجهزة التلفزيون ومكيفات الهواء والثلاجات وعلى الرغم من أن هذه الرقائق عادةً ما تكون ذات أداء عادي ولا تدعم تقنيات متطوّرة، أدّى ظهور تقنيات إنترنت الأشياء إلى تغيير ذلك فقد أصبح الطلب اليوم مرتفعًا على الأجهزة التي يمكنها الاتصال بالإنترنت وتدعم شبكات الاتصال الجديدة وغيرها من التقنيات التي تعتبر أكثر تعقيدًا مقارنًة بالسابق لذا على الشرائح المستخدمة مواكبة هذه التغيّرات.

بعض الشركات الصينية أعلنت في السابق إنّها تعمل على تصنيع شرائحها ولكن لا يوجد مؤشّرات واضحة للتقييم حتى اليوم ولكن في المقابل لدينا عدّة تجارب مميّزة فقد بدأت هواوي أبحاثها الخاصة بأشباه الموصلات قبل أكثر من عقدين من العقوبات الأمريكية، فقد أنشأت في عام 2004 شركة منفصلة تسمى HiSilicon للتركيز على صناعة الرقائق وهو قرار شكّك فيه الكثير ولم يتبعه أحد في حينها، وعلى مر السنين أصدرت HiSilicon مجموعة مختلفة من الرقائق التي يمكن استخدامها في الهواتف الذكية أو الخوادم أو الأجهزة القابلة للارتداء، وتعتبر هذه الشركة اليوم الشركة الصينية الوحيدة التي يُنظر إليها على أنها منافس جاد في صناعة أشباه الموصلات العالمية.

تتخذ شركات الهواتف الذكية الأخرى خطوة مماثلة وإن كانت متأخرة فقد بدأت Xiaomi في الاستثمار في صناعة الرقائق في عام 2014 وقد أطلقت أول شريحة لها بعد ثلاث سنوات من الانطلاق في هذه الصناعة ولكن حتى اليوم ما يزال التقدّم ضئيلًا، بدأت Oppo أيضًا أبحاثها واستثماراتها في أشباه الموصلات، فقط في عام 2019 وسوف تستغرق هذه الاستثمارات وقتًا طويلاً حتى نرى نتائجها.

من التجارب الصينية المثيرة للاهتمام أيضًا هي تجربة Baidu حيث تعتبر الشركة الأولى من بين شركات التقنية الكبرى في الصين التي دخلت في مجال أشباه الموصلات وقد بدأت في الاستثمار في أبحاث الرقائق في عام 2010 وأصدرت أول منتج ناضج لها في عام 2018: Baidu Kunlun وهي شريحة مخصّصة لتسريع عمليات التعلّم المستخدمة بشكل كبير في قطّاع الذكاء الاصطناعي، إضافًة إلى Baidu، استثمرت شركة Alibaba أكثر في قطّاع أشباه الموصلات وفي عام 2018 اشترت Alibaba شركة محلية لتصنيع الرقائق والتي أصبحت فيما بعد تحت اسم PingTouGe Semiconductor وقد أطلقت شريحتين تدعمان مزايا الذكاء الاصطناعي، كما وتمتلك علي بابا استثمارات استراتيجية في ست شركات ناشئة أخرى تعمل في مجال الرقائق.

أموال طائلة… انتظر طويلاً

يراهن المستثمرون بشكل كبير على هذا القطّاع، فقط تم طرح أكثر من 32 شركة جديدة في سوق الاسهم في عام 2020 فقط، وتدفّقت استثمارات أخرى بقيمة 20 مليار دولار في الشركات الخاصة التي تعمل في صناعة الرقائق، أي تجاوزت استثمارات 2020 استثمارات العام الذي يسبقه بأربعة أضعاف، ولكن علينا القول هنا أنّ صناعة تشبه صناعة أشباه الموصلات قد تتطلّب سنوات من الاستثمار الضخم بدون عائد فوري، لقد استغرق الأمر أكثر من عقد من الزمن حتى تحصل HiSilicon العائدة لشركة Huawei على مقعد في سوق الرقائق العالمية ولا تزال غير قادرة على القيام بتغيير حقيقي في هذه الصناعة، بالنسبة للوافدين الجدد إلى صناعة الرقائق سوف تمر بضع سنوات أخرى على الأقل قبل ظهور مؤشّرات حقيقية حول أداء الشراكات.



Facebook Twitter Copy Link WhatsApp