هل من الممكن أن تصبح رسوم ترامب الجمركية حقيقة؟

هل من الممكن أن تصبح رسوم ترامب الجمركية حقيقة؟

أعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب في وقت سابق من شهر نوفمبر أنه يريد فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا وهما أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة وتعريفات جمركية أخري بنسبة 10% على السلع من الصين، لا ينبغي أن يفاجئ هذا أحدًا فقد أطلق ترامب على نفسه اسم “رجل التعريفات الجمركية” وهي واحدة من السياسات التي ترشح بها.

في حين قال إنه يريد استخدام التعريفات الجمركية كتكتيك تفاوضي لإجبار كندا والمكسيك على القيام بشيء ما بشأن الهجرة إلا أن التأثير الاقتصادي قد يكون كبيرًا نتيجة لذلك، فقد يؤدي إلى ارتفاع التكاليف للمستهلكين وربما إلحاق الضرر بالشركات الأمريكية الكبرى، وقد يتعرض المتسوقون لصدمة كبيرة على مدار العام المقبل، وذلك لأن هناك فكرة خاطئة شائعة (والتي روج لها ترامب نفسه) مفادها أن التعريفات الجمركية تدفعها الدول الأجنبية، ولكن بدلاً من ذلك، تدفعها الشركات الأمريكية والمستهلكون في كثير من الحالات، فكلما ارتفعت التعريفات الجمركية ارتفعت أسعار تلك السلع.

ما الذي اقترحه ترامب؟

على وسائل التواصل الاجتماعي، قال ترامب إنه يخطط لفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع الواردات من كندا والمكسيك بالإضافة إلى رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الواردات من الصين، ومع ذلك، لم يقدم ترامب سوى القليل من التفاصيل الإضافية، مثل ما إذا كانت الرسوم الجمركية ستطبق على جميع السلع أو فقط فئات معينة من المنتجات.

وتعزيزا لمكانة الدولار الأمريكي في سوق تداول الفوركس فقد اقترح أيضًا رسومًا جمركية أوسع نطاقًا تتراوح بين 10% و 20% على جميع الواردات، بما في ذلك تلك الواردة من الحلفاء الرئيسيين والشركاء التجاريين، ووعد بفرض رسوم انتقامية على أي دولة تفرض ضرائب على السلع المصنوعة في أمريكا.

ما هي التعريفات الجمركية وكيف تعمل؟

تفرض حكومة الولايات المتحدة تعريفات جمركية على السلع المستوردة، وهي عبارة عن نسبة من السعر الذي يدفعه المستورد (المشتري) لشركة أجنبية، وبموجب الاقتراح الحالي الذي طرحه ترامب، فإن هذه التعريفات تمثل ضريبة بنسبة 25% على أي شيء من المكسيك أو كندا وضريبة بنسبة 10% على السلع القادمة من الصين.

ويدفع المشتري (من الشركات العملاقة مثل وول مارت إلى متاجر الأجهزة المحلية) هذه التعريفات الجمركية للحكومة الأميركية عندما تعبر الواردات الحدود، ولكن لابد من تغطية هذه التكلفة الإضافية بطريقة أو بأخرى، إما من خلال الخروج من هوامش الشركة المستوردة أو من خلال تمريرها إلى المستهلكين في هيئة أسعار أعلى، وإذا كانت التعريفات الجمركية مرتفعة للغاية فقد لا يكون هناك خيار آخر غير رفع الأسعار.

وفي الممارسة العملية، سوف تكون الشركات الأميركية هي التي يتعين عليها دفع التعريفات الجمركية ( وليس الصين أو المكسيك أو كندا) مما سينتج عنه تأثيرات وخيمة محتملة على المستهلكين.

على سبيل المثال: قال المدير المالي لشركة وول مارت وهي من أكبر تجار التجزئة في أمريكا “جون ديفيد ريني”: بوضوح شديد إن التعريفات الجمركية الجديدة قد تجبر الشركة على رفع الأسعار، وقال لشبكة سي إن بي سي إنه في حين “لا نريد أبدًا رفع الأسعار” و”نموذج الشركة هو أسعار منخفضة كل يوم”، فمن المحتمل أن تكون هناك حالات ترتفع فيها الأسعار للمستهلكين.

والسبب في ذلك بسيط، إذا كان على وول مارت أن تدفع أكثر لاستيراد السلع من أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين (الصين والمكسيك وكندا)، فإن الأشخاص العاديين سيضطرون أيضًا إلى دفع المزيد مقابل نفس السلع عندما يصلون إلى ماكينة تسجيل المدفوعات، سترتفع الأسعار مع ارتفاع التعريفات الجمركية.

وصف الرئيس التنفيذي لاتحاد التجزئة الوطني “ماثيو شاي” أنواع التعريفات الجمركية التي اقترحها ترامب أثناء الحملة بأنها “ضريبة على الأسر الأمريكية” والتي ستدفع إلي التضخم وارتفاع الأسعار وستؤدي إلى فقدان الوظائف.

في المقابل، يأمل فريق ترامب أن تشجع هذه التعريفات الشركات على شراء المنتجات الأمريكية بدلاً من ذلك، ولكن في كثير من الحالات، قد لا يكون ذلك ممكنًا، إما أن السلع ببساطة لا يتم تصنيعها في أمريكا أو أن تصنيعها في الولايات المتحدة أكثر تكلفة، بطبيعة الحال، قد تتوسع القدرة التصنيعية أو تتحول سلاسل التوريد بعيدًا عن البلدان المستهدفة، ولكن هذا يستغرق وقتًا، وفي غضون ذلك، من المرجح أن يدفع المستهلكون المزيد.

كما يبقى أن نرى ما إذا كانت التعريفات الجمركية ستجبر المكسيك أو كندا على اتخاذ أي إجراء بشأن الهجرة، إذا نجحت الشركات الأمريكية في الابتعاد عن تلك الدول فقد يدفعها ذلك إلى طاولة المفاوضات بشأن سياسة الهجرة، ولكن إذا كان المستهلكون الأمريكيون يتحملون الفاتورة في المقام الأول، فقد لا تنجح أو قد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لتحقيق نتائج.

إذا أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا بتنفيذ التعريفات الجمركية فيجب على المستهلكين الأمريكيين الاستعداد لأسعار أعلى، وقد تشهد وول ستريت انكماش الهوامش لدى كبار تجار التجزئة، الشيء الوحيد المؤكد تمامًا هو أن الأمريكيين سيدفعون ثمن التعريفات الجمركية وليس الصين أو المكسيك أو كندا.

هل يستطيع ترامب فرض الرسوم الجمركية من جانب واحد؟

بمجرد توليه منصبه، سيكون لدى الرئيس المنتخب ترامب عدة مسارات محتملة لتطبيق الرسوم الجمركية.

يمنح دستور الولايات المتحدة الكونجرس سلطة فرض الرسوم الجمركية في المادة 1 القسم 8 والتي تنص على أن “للكونجرس سلطة فرض وجمع الضرائب والرسوم لتنظيم التجارة مع الدول الأجنبية”، ولكن الكونجرس يمكنه أيضًا تفويض سلطة تحديد الرسوم الجمركية بشكل انتقائي للرئيس، وهو ما فعله لعقود من الزمان.

في فترة ولاية ترامب الأولى كرئيس من 2017 إلى 2021، مارس ترامب بحرية هذه السلطة الرئاسية لزيادة التعريفات الجمركية، حيث تضاعف إجمالي الرسوم الجمركية المدفوعة على الواردات الأمريكية من حوالي 37 مليار دولار في عام 2015 إلى 74 مليار دولار في عام 2020، وفقًا لدائرة أبحاث الكونجرس.

قال “جيك كولفين” رئيس المجلس الوطني للتجارة الخارجية وهي مجموعة مخصصة للدفاع عن الشركات الأمريكية في التجارة الدولية: بالنظر إلى السنوات الأربع السابقة له في منصبه، يبدو أنه يعتقد أنه يتمتع بالسلطة لفرض التعريفات الجمركية، إذا قرروا في اليوم الأول أنهم يريدون استخدام السلطة التنفيذية لفرض التعريفات الجمركية على السلع الصينية، فربما يمكنهم المضي قدمًا والقيام بذلك.

وأضاف كولفين أنه سيكون من المهم لإدارة ترامب القادمة أن تزود الشركات بمزيد من التفاصيل حتى تتمكن الشركات من التخطيط وفقًا لذلك، وقال: لقد تم اقتراح الكثير في الحملة الانتخابية، لذلك من المهم للإدارة أن تعطي إشارة حول المسار الذي تنوي اتباعه، من أجل الوضوح وأغراض التخطيط للشركات الأمريكية.

ما مدى السرعة التي من المرجح أن يتحرك بها ترامب؟

قالت عضوة السياسة التجارية في مجلس العلاقات الخارجية “إينو ماناك”: إن الرئيس يتمتع بسلطة فرض مجموعة من القيود التجارية على الدول الأجنبية.

وقالت ماناك لشبكة سي بي إس موني ووتش: “يبدو من الواضح أنه سيسعى إلى فرض التعريفات الجمركية بعد توليه منصبه قريبًا، خلال فترة ولايته الأخيرة، كانت التعريفات الجمركية أداة مفضلة في الحرب التجارية ضد الصين وضد الحلفاء أيضًا، لذلك أعتقد أن هذه استراتيجية سيكررها في ولايته القادمة”.

وأضافت ماناك أنه من المرجح أن يكون قادرًا على القيام بذلك دون دعم من الكونجرس، وقالت: “يتمتع الرئيس بقدر كبير من السلطة التقديرية لفعل ما يريد”.

وتشمل الصلاحيات القانونية المتاحة لترامب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974 والتي بموجبها يجوز للرئيس فرض تعريفات انتقامية عندما “تنتهك سياسة أو ممارسة دولة أجنبية أو تتعارض مع أحكام أي اتفاقية تجارية أو تحرم الولايات المتحدة من الفوائد بموجبها أو غير مبررة وتثقل كاهل أو تقيد التجارة الأمريكية”.

وقد استشهد ترامب سابقًا بالمادة 301 لفرض تعريفات جمركية على الصين في عامي 2018 و 2019 والتي استمر العديد منها في ظل إدارة بايدن، ويمكنه ببساطة توسيع نطاق إجراءات التعريفات الجمركية الحالية التي اتخذها بالفعل، ولن يتطلب ذلك أي إجراء من الكونجرس لأنها موجودة بالفعل.

ما هي السلطات الأخرى التي يتمتع بها ترامب؟

في فترة ولايته السابقة كرئيس، استخدم أيضًا المادة 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962 لفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم، يمنح هذا القانون الرئيس سلطة تعديل الواردات بما في ذلك فرض الرسوم الجمركية، عندما يُنظر إليها على أنها تشكل تهديدًا للأمن القومي.

هناك أيضًا قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA)، على الرغم من أنه لم يُستخدم لتقييد التجارة منذ تولي الرئيس “ريتشارد نيكسون” منصبه، هذا القانون يمكن ممارسته للتعامل مع أي تهديد غير عادي واستثنائي للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة، إذا أعلن الرئيس حالة طوارئ وطنية بشأن مثل هذا التهديد، ولا يجوز ممارسة السلطات الممنوحة للرئيس إلا للتعامل مع تهديد غير عادي واستثنائي فيما يتعلق بحالة طوارئ وطنية، وبعبارة أخرى، لاستخدام قانون IEEPA لفرض التعريفات الجمركية، يتعين على ترامب إعلان حالة الطوارئ الوطنية من خلال أمر تنفيذي، مدعيا أن شريكا تجاريا للولايات المتحدة يشكل تهديدا كبيرا.

أعرب نائب المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية “آلان وولف” عن تشككه في أن ترامب لديه السلطة لفرض تعريفات جمركية شاملة بموجب قانون IEEPA.

هناك أيضا إن المادة 338 من قانون التعريفات لعام 1930 والتي يمكن أن تمنح الرئيس سلطة رفع التعريفات الجمركية من جانب واحد، يسمح القانون النادر الاستخدام للرئيس بفرض رسوم تصل إلى 50% من قيمة المنتج، ويتم تشغيله عندما يجد الرئيس أن دولة أجنبية فرضت رسومًا غير معقولة على التجارة الأمريكية أو تميز ضدها، ومع ذلك، عادةً ما يتعين على لجنة التجارة الدولية الأمريكية (ITC) تحديد ذلك.

كيف تؤثر التعريفات الشاملة على المستهلكين الأمريكيين؟

قالت بعض الشركات بالفعل إنها تهدف إلى نقل الإنتاج خارج الصين لتجنب التعريفات الجمركية التي اقترحها ترامب، على سبيل المثال: قالت شركة صناعة الأحذية “ستيف مادن” إنها تخطط لاستيراد عدد أقل من السلع المصنوعة في الصين واستبدالها بعناصر مصنوعة في دول أخرى.

ووفقًا للاتحاد الوطنى لتجارة التجزئة، فإن التعريفات الجمركية المقترحة على الواردات قد تؤدي إلى خسارة المستهلكين ما بين 45 مليار دولار و 77 مليار دولار من قدرتهم الشرائية كل عام علي المنتجات بما في ذلك: الملابس والأثاث والألعاب والسلع السياحية والأجهزة المنزلية والأحذية.

وبحسب تقدير آخر، فإن التعريفات العامة بنسبة 20% على جميع السلع المستوردة، إلى جانب تعريفة بنسبة 60% على السلع المستوردة من الصين، ستكلف الأسرة الأمريكية النموذجية أكثر من 2600 دولار سنويًا، وإذا فرض ترامب بدلاً من ذلك تعريفة بنسبة 10% على جميع السلع، فإن ذلك سيكلف الأسر 1700 دولار إضافية.

ويتوقع الخبراء أن تفرض إدارة ترامب القادمة بعض التعريفات الجمركية المقترحة بسرعة، بينما قد تشرع في تطبيقها تدريجيًا أو تهدد بتطبيق رسوم أخرى بمرور الوقت في محاولة للحصول على تنازلات تجارية.



Facebook Twitter Copy Link WhatsApp